قوله تعالى: {وكذلك بعثناهم} أي: وكما فعلنا بهم ما ذكرنا، بعثناهم من تلك النومة {ليتساءلوا} أي: ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم، فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبِرين بحالهم. {قال قائل منهم كم لبثتم} أي: كم مَرَّ علينا منذ دخلنا هذا الكهف؟ {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} وذلك أنهم دخلوا غُدوةً، وبعثهم الله في آخر النهار، فلذلك قالوا: {يوماً}، فلما رأوا الشمس قالوا: {أو بعض يوم} {قالوا ربُّكم أعلم بما لبثتم} قال ابن عباس: القائل لهذا يمليخا رئيسهم، ردَّ عِلْم ذلك إِلى الله تعالى. وقال في رواية أخرى: إِنما قاله مكسلمينا، وهو أكبرهم. قال أبو سليمان: وهذا يوجب أن تكون نفوسهم قد حدَّثتْهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا. وقيل: إِنما قالوا ذلك، لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جداً.قوله تعالى: {فابعثوا أحدكم} قال ابن الأنباري: إِنما قال: {أحدَكم}، ولم يقل: واحدَكم، لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظَّم، فان العرب تقول: رأيت أحد القوم، ولا يقولون: رأيت واحد القوم، إِلا إِذا أرادوا المعظَّم، فأراد بأحدهم: بعضَهم، ولم يُرِد شريفهم.قوله تعالى: {بِوَرِقِكُمْ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: {بِوَرِقِكُم} الراء مكسورة خفيفة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم ساكنة الراء. وعن أبي عمرو: {بورقكم} مدغمة يُشِمُّها شيئاً من التثقيل؛ قال الزجاج: تصير كافاً خالصة. قال الفراء: الوَرِق لغة أهل الحجاز، وتميم يقولون: الوَرْق، وبعض العرب يكسرون الواو، فيقولون: الوِرْق. قال ابن قتيبة. الوَرِق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم، يدلك على ذلك حديث عَرْفَجَة أنه اتخذ أنفاً من وَرِق.قوله تعالى: {إِلى المدينة} يعنون التي خرجوا منها، واسمها دقسوس، ويقال: هي اليوم طرسوس.قوله تعالى: {فليَنْظُر أيُّها} قال الزجاج: المعنى: أيُّ أهلها {أزكى طعاماً} وللمفسرين في معناه ستة أقوال.أحدها: أَحَلُّ ذبيحة؛ قاله ابن عباس، وعطاء، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفاراً، فكانوا يذبحون للطواغيت، وكان فيهم قوم يُخفون إِيمانهم.والثاني: أَحَلُّ طعاماً، قاله سعيد بن جبير؛ قال الضحاك: وكانت أكثر أموالهم غصوباً. وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم لا تبتعْ طعاماً فيه ظلم ولا غصب.والثالث: أكثر، قاله عكرمة.والرابع: خير، أي: أجود، قاله قتادة.والخامس: أطيب، قاله ابن السائب، ومقاتل.والسادس: أرخص، قاله يمان بن رياب. قال ابن قتيبة: وأصل الزكاء: النماء والزيادة.قوله تعالى: {فليأتكم برزق منه} أي: بما تأكلونه. {ولْيتلطف} أي: ليدقِّق النظر فيه، وليحتلْ لئلا يُطَّلَع عليه. {ولا يُشْعِرَنَّ بِكُم} أي: ولا يُخْبِرَنَّ أحداً بمكانكم. {إِنهم إِن يظهروا} أي: يطَّلعوا ويُشرفوا عليكم، {يرجموكم} وفيه ثلاثة أقوال.أحدها: يقتلوكم، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: يقتلوكم بالرجم.والثاني: يرجموكم بأيديهم، استنكاراً لكم، قاله الحسن.والثالث: بألسنتهم شتماً لكم، قاله مجاهد، وابن جريج.قوله تعالى: {أو يُعيدوكم في مِلَّتهم} أي: يردُّوكم في دينهم، {ولن تُفلحوا إِذاً أبداً} أي: إِن رجعتم في دينهم، لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة.